Apr 29, 2007




قصة طفل مصاب بداء فقدان المناعة المكتسب
علمت أنني مصاب بالسيدا من الجمعية (الجمعية المغربية لمحاربة السيدا في مدينته) و لقد اخبروني ان هذا المرض لا ينتقل للآخرين إن تكلمت معهم بل ينتقل فقط عبر الدم. أوصوني في الجمعية أن لا أخبر أحدا بطبيعة مرضي وأن اقول لمن يسألني في المدرسة أنني مريض بالقلب" يقول يوسف(اسم مستعار) (12 سنة).
يوسف حامل لفيروس السيدا منذ ولادته أو، ربما الأصح، منذ أن كان ما يزال جنينا في بطن أمه والتي توفيت ووالده في حادثة سير. "ذات يوم، قبل اثني عشر سنة، أتى إبني برضيع صغير إلى المنزل و أخبرني أن أبواه توفيا في حادثة سير و طلب مني الاعتناء به كابن لي فوافقت" تقول الحاجة خديجة (اسم مستعار) و هي تمسح بيدها بحنان على شعره الأشقر.
رغم حالتها المادية البسيطة جدا اعتنت الحاجة خديجة بيوسف بمساعدة ابنتها الصغرى التي توفيت قبل خمس سنوات، على إثر إصابتها بداء السل. و ما زالت دموع يوسف تنهمر كلما تذكرها فقد كان متعلقا بها بقوة كأم له." كان يوسف يمرض دائما ويصاب بالحمى. لم يكن ينمو بطريقة طبيعية كالأطفال الآخرين. كان جسمه نحيلا جدا" تضيف الحاجة خديجة. في يوم من الأيام مرض يوسف جدا فذهبت به الحاجة إلى المستوصف حيث لبث خمسة عشر يوما. عندما بدأ يوسف يتماثل للشفاء أخبرها طبيب المستوصف أن عليها أخده إلى مستشفى الأطفال بالرباط حتى يعرف السبب الكامن وراء حالته الصحية السيئة. بعد الفحوصات و التحاليل تبين أن يوسف الصغير حامل لفيروس السيدا. هذا الفيروس هو الذي أضعف جهاز مناعته حتى أصبح جسمه غير قادر على الدفاع عن نفسه و عرضة للأمراض الانتهازية.
كانت هذه هي بداية رحلة معاناة يوسف مع السيدا. أول اختبار صعب مر به مع الحاجة خديجة هو طلب ابنها منها التخلي عنه بعد علمه بمرضه. تقول وهي تحاول أن تغالب دموعها المنهمرة على خديها:"يوسف فلذة كبدي. لا أستطيع التخلي عنه مهما حدث". تحرص الحاجة خديجة على أن يتناول يوسف أدويته العديدة في مواعدها المحددة كل يوم و تقدم له عناية خاصة وتأتي به إلى المستشفى بالرباط في المواعيد المحددة ليجري الفحوصات اللازمة وليتم إعطاءه أدوية العلاج الثلاثي الخاصة بالسيدا. شيئا فشيئا بدأت حالة يوسف الصحية تتحسن و بدأ طوله ووزنه يزداد. كل شيء كان على ما يرام إلى أن استطاع زوج الحاجة خديجة الاتصال بأسرة يوسف من أمه المتوفاة. عندما أتوا لرأيته بالمستشفى طلبوا من الحاجة خديجة أخذه معهم إلى منزلهم لبضعة أيام فوافقت. بعد ذلك طلبوا ان يبقى معهم لمدة أطول. ما حدث بعد ذلك، وفي موعد زيارته الدوري، أتى يوسف بمفرده إلى المستشفى في حالة صحية سيئة. لم يعتني أهله به و لم يعطوه أدويته في مواعيدها المحددة و لم يتكلف أحدهم عناء مرافقته إلى المستشفى لإجراء الفحوصات. كل هذا أدى بالبروفيسور بنشقرون التي تشرف على علاج يوسف إلى الاتصال بالحاجة خديجة لتطلب منها المجيء و الاعتناء بيوسف مرة أخرى لأنها الأجدر بذلك." لقد فرحت جدا عندما اتصلت بي الدكتورة لتطلب مني الإعتناء به.كأنها ردت روحي إلي مرة أخرى" تعلق الحاجة.
قبل بضعة أشهر توفي زوج الحاجة خديجة الذي كان معيلهم الوحيد بعد أن توقف ابنها عن مساعدتهم ماديا و مساندتهم معنويا. لكن الحاجة خديجة لم تفقد الأمل:" الحمد لله على كل حال. من توكل على الله لا يخيب أبدا و يجد له مخرجا من كل ضائقة و يسخر له من يساعده."
ما زال يوسف يدرس في المستوى الرابع ابتدائي. رسب عامين متتالين في المدرسة لأنه لم يعد يحفظ دروسه ويحل التمارين المنزلية كالسابق. ربما يعود نفوره من الدراسة للصدمة النفسية التي تلقاها بعد معرفته بطبيعة مرضه. ما لم يتأثر بالمرض هو حبه للعب كباقي الأطفال في سنه لكن حتى مثل هذه الأشياء البسيطة في نظر الكثيرين تعتبر تحديا بالنسبة له. "أحب لعب كرة القدم مع أصدقائي لكنني أحس بالتعب بسرعة وأجد صعوبة في التنفس. أحس كذلك بألم شديد في صدري و كأن سكاكين عدة تخترقه.أضطر عندها للتوقف عن اللعب و العودة إلى المنزل" يتوقف عن الكلام ليسعل ثم يضيف " ذات يوم، عندما كنت ألعب مع أصدقائي وقعت أرضا و جرحت في ركبتي. أراد أصدقائي مساعدتي لكنني منعتهم من الإقتراب أو لمس الجرح و ذهبت مسرعا إلى المنزل لتضميده".
حاول يوسف مرة "الحريك" إلى أوروبا عبر الميناء مع بعض أصدقائه الذين أوهموه أنه سيشفى تماما من مرضه (يظنون أنه مريض بالقلب) إن تمت معالجته في المستشفيات الأوروبية. لحسن الحظ حالت دورية الشرطة بينه و بين محاولته العبور إلى الضفة الأخرى و أعادته إلى المنزل.
"أحلم بأن أصبح جنديا لأدافع عن الوطن او طبيبا مثل الدكتورة" يقول يوسف بعينين تبرقان أملا وهو يرسم ابتسامة على ثغره. أما السيدة خديجة فرجاءها الوحيد هو أن تستمر بالإعتناء بابنها يوسف دون خوف من أن يأخذه أهله منها مرة أخرى و ان يصبح يوسف في المستقبل رجلا قادرا على الاعتماد على نفسه و مواجهة الصعوبات التي ستواجهه (المتعلقة بالسيدا و نظرة المجتمع السلبية للمصابين بها) بقلب من
حديد.

No comments: