Jul 1, 2009


ريتشارد هولبروك ... مهندس سلام البوسنة مبعوثا أمريكيا إلى أفغانستان

سهام إحولين

مع عزمه سحب القوات الأمريكية من العراق وزيادة عددها في أفغانستان وبالتالي نقل الحرب من الجبهة العراقية إلى الجبهة الأفغانية، قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتعيين الدبلوماسي ريتشارد هولبروك، صانع اتفاق دايتون للسلام الذي وضع حدا لحرب البوسنة سنة 1995، مبعوثا خاصا لأفغانستان وباكستان.

وقال أوباما خلال إعلانه اختيار هولبروك لهذه المهمة: "إن تحقيق سلام دائم في المنطقة يحتم توسيع الفرص المتاحة لشعبي أفغانستان وباكستان، وهو تحد دولي على أعلى المستويات"، مؤكدا "استحالة فصل الحرب على الإرهاب" في أفغانستان عن "الحدود المضطربة مع باكستان"،قائلا: "كما في الشرق الأوسط، يجب أن ندرك أننا لا نستطيع التعامل مع المشاكل في شكل منفصل".

وقد لقي اختيار هولبروك ترحيبا من الجانب الباكستاني، حيث سارع وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي بدعوته في رسالة خاصة بعثها له إلى زيارة إسلام آباد لمناقشة الوضع الراهن في المنطقة وعدد من القضايا المتعلقة بالحرب الجارية ضد الإرهاب.

وبدأ هولبروك، 67 سنة، الذي تأرجح في حياته المهنية ما بين السياسة والاقتصاد، حياته الدبلوماسية مبكرا في سن الواحدة والعشرين في فيتنام، بسبب معرفته باللغة الفيتنامية، ثم أصبح، في إدارة الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر، مساعدا لوزير الخارجية للشئون الآسيوية، وهو في سن الخامسة والثلاثين.

ومع وصول الجمهوري رونالد ريغان إلى السلطة سنة 1981، دخل هولبروك، الذي رأى النور في 24 أبريل 1941 ، في مصرف الأعمال ليمان براذرز وشغل منصب مديره العام. وفي سنة 1993، استدعاه الرئيس الأسبق بيل كلينتون إلى المجال الدبلوماسي مرة أخرى، حيث عينه سفيرا في ألمانيا. وفي 1995 تولى مهام مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية وقام بعدة زيارات ليوغوسلافيا السابقة. وقد استطاع هولبروك الدفع في اتجاه التوقيع على الاتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك، والذي عرف باسم اتفاق "دايتون"، وهو ما جعل الإعلام الأمريكي يطلق عليه اسم "كيسنجر البلقان" نسبة إلى وزير الخارجية الأمريكي الأشهر هنري كيسنجر.

بعد هذا الإنجاز الدبلوماسي الذي يعتبر أبرز الإنجازات الدبلوماسية الأميركية على الإطلاق، عاد هولبروك مرة أخرى إلى عالم الاقتصاد وإلى العمل المصرفي، حيث عين نائبا لرئيس مصرف كريدي سويس فيرست بوسطن، غير أن بيل كلينتون سرعان ما أعاده مرة أخرى إلى الخدمة إلى السياسة سنة 1999، عن طريق تعينه سفيرا دائما لبلاده لدى الأمم المتحدة. وقد ظل هولبروك يحتل هذا المنصب حتى وصول الرئيس السابق جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض سنة 2001.

وقد عرف عن هولبروك، حسب وسائل الإعلام الأمريكية أنه ذو طاقة وعزيمة قويتين في مواجهة زعماء الحرب. وهو معروف بطباعه المتبدلة ما بين الود والغضب وبقدرته على المناورة. كما عرف عنه أنه "متعجرف"، و بارع وطموح و "قادر على اتخاذ قرارات حازمة".

ونشر مقالات بانتظام في السنوات الأخيرة في مجلة "فورين بوليسي" للسياسة الدولية وكان عضوا في مجالس إدارة عدة شركات منها شركة كوكا كولا. وقد طرح اسمه سنة 2004 لمنصب وزير الخارجية في حال فوز المرشح الديمقراطي للرئاسة جون كيري.

ويشغل هولبروك، الأب لولدين، حاليا منصب الرئيس الفخري لمنظمة يهودية تسمى "العدالة ليهود الدول العربية"، والتي أنشئت بهدف المطالبة والمساعدة على حصول اليهود الذين هاجروا من الدول العربية على تعويضات من هذه الدول عن أملاك مزعومة صودرت.

ما بين الرئيس أوباما ومبعوثه ريتشارد هولبروك عدة نقط تقارب في رؤيتهما للسياسة الخارجية الأمريكية، وقد كتب هذا الأخير في مقال له في"بروجيكت سنديكيت" الأمريكية، في عدد الأول من نوفمبر الماضي، تحت عنوان "لماذا أوباما؟" يقول إنه يدعم أوباما على حساب غريمه الديمقراطي جون ماكين، لعدد من الأمور، من بينها تصورات أوباما عن قضايا السياسة الخارجية الأمريكية وكيفية التعامل معها.

وأيد هولبروك، في مقاله، ما طرحه أوباما بشأن الوضع في العراق وسبل التعامل الأنسب مع إيران، وأشاد بالطريقة التي تعاطى بها أوباما ومرشحه لمنصب نائب الرئيس السيناتور جوزيف بايدن مع الحرب الروسية على جورجيا.

وفي شهر غشت من السنة الماضية، عاد اسم هولبروك إلى الأخبار بعد أن أكد زعيم صرب البوسنة السابق رادوفان كراديتش في تصريح خطي أن المفاوض الأميركي هولبروك وعده بأنه "لن يمثل أمام المحكمة الجزائية الدولية" ليوغسلافيا السابقة.

وكشف كراديتش في تصريحه خلال الجلسة الأولى لمحاكمته في لاهاي أن "ريتشارد هولبروك قدم في عام 1996 عرضا باسم الولايات المتحدة إلى الوزراء ورجال الدولة الذين كانوا مفوضين بتمثيلي، حيث تعهد باسم بلاده بأنني لن أمثل أمام هذه المحكمة".

كما اتهم كراديتش في نفس التصريح هولبروك بأنه أراد تصفيته جسديا، قائلا إنه "لما عجز عن الوفاء بالتزاماته التي اتخذها باسم الولايات المتحدة، انتقل (هولبروك) إلى الخطة (ب) وهي تصفية رادوفان كراديتش".