Oct 22, 2008



أن تكون أمريكيا في ميامي لا يعني بالضرورة أن تتكلم الإنجليزية


ميامي - سهام إحولين


ما أن نزلت من الطائرة القادمة من واشنطن، ووطئت قدمي مطار ميامي حتى شعرت بروح جديدة مختلفة تجعلك تدرك أنك انتقلت من واشنطن دي سي العاصمة بسكانها ذوي الأحذية البراقة الممسوحة بعناية إلى فلوريدا، "ولاية الشمس المشعة" وأكبر مدنها ميامي، "عاصمة أمريكا اللاتينية" بكل ما للكلمة من معنى.


الاسبانية في كل مكان من حولك. في المحلات الصغرى والكبرى، في الأسواق، الفنادق، المطاعم، سيارات الأجرة، الحافلات ... تحس وكأنك في دولة أخرى غير الولايات المتحدة الأمريكية، لولا ناطحات السحاب وبعض الكلمات الانجليزية، التي تذكرك أنك لا زلت في أمريكا.


الاسبانية هنا هي اللغة الأولى في المحطات الإذاعية والتلفزيونية والصحف، واللغة الأولى التي يحدث بها معظم الناس في ميامي. هناك من يعيش في المدينة لأكثر من ثلاثين سنة دون أن يتقن كلمة واحدة باللغة الإنجليزية. خصوصية ميامي هذه أدهشتنا جميعا. كنا نعلم أن الاسبانية موجودة في ميامي لكننا لم نكن نعلم أنها متواجدة بهذه القوة لدرجة هزيمة الإنجليزية، اللغة الرسمية للبلاد.


يعتبر الأمريكيون من أصل لاتيني، والذين يطلق عليهم لقب "اللاتينوس" أو "الهيسبانيكس" أكبر أقلية في ولاية فلوريدا، وذلك وفقا لآخر البيانات الإحصائية التي قام بها مكتب التعداد الأمريكي. وقد زاد عددهم بنسبة 70.4 في المائة، حيث انتقلوا من1.6 إلى 2.7 مليون لاتيني ما بين 1990 و2000، بمعدل نمو أكثر مرتين من معدل نمو الأمريكيين الأفارقة الذين يبلغ عددهم 2.3 مليون.


كما أن المرشحون والسياسيون وقادة الأحزاب ووسائل الإعلام يتحدثون باستمرار عن الأمريكيين من أصل لاتيني ولمن سيصوتون وعن مدى أهمية تصويتهم وهل من شأنه أن يغلب كفة جون ماكين الجمهوري أو باراك أوباما الديمقراطي في انتخابات نونبر في البيت الأبيض.
في ميامي، يعتبر الأمريكيون من أصل كوبي الجالية اللاتينية الأولى في المدينة، حيث بدؤوا يهاجرون إلى ميامي التي لا تبعد إلا بـ 320 كيلومتر عن كوبا، منذ تولي فيديل كاسترو زمام الحكم في هذه الأخيرة سنة 1959، حيث يحصل الكوبي ما أن تطأ قدمه التراب الأمريكي على اللجوء السياسي ما أن يقدم نفسه لأول شرطي يصادفه عند الشاطئ.
خصوصية ميامي هذه خلقت لها مؤيدين ومعارضين. منهم من يرى أنها وضعية طبيعة بسبب العدد المتزايد للهيسبانيكس في البلاد وأنه دليل نجاح التعايش، ومنهم من يرى أن هناك "خطر لاتيني" يلقي بظلاله على البلاد كلها وأن ميامي تحولت إلى كوبا، ويتساءل ما إذا كان " على آخر الأمريكيين الذين يتركون ميامي أن يحضر معه العلم الوطني".


هلين أغيرا فري، صحفية بجريدة دياريو دي لاس أميريكاس ( يومية الأمريكيتين)، الناطقة باللغة الاسبانية التي تملكها عائلتها القادمة من نيكاراغوا، لا ترى ما يقلق من الانتشار الكبير للغة الاسبانية، حيث قالت في حديث لـ"المساء": " ما الذي يمنع من أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية متعددة اللغات. أعتقد انه كلما كان عدد اللغات التي نتعلمها أكبر، كلما كانا أغنياء ثقافيا ومنفتحين أكثر على الآخرين".
وأكدت فيري على أن أمريكا هي عبارة عن " سلطة كبيرة واحدة، لكنها في الوقت ذاته، تحتوي على مكونات مختلفة. ليست اللغة التي أتحدث بها هي التي تجعل مني أمريكية".


وعن انعكاسات جو اسباني مائة بالمائة على اقتصاد البلاد، سألنا ماركو روبيو، المتحدث باسم مجلس نواب ولاية فلوريدا، الذي قدم والداه للعيش في ميامي في خمسينات القرن الماضي من كوبا، والذي أجاب بابتسامة: "هذا بلد يزوره الناس للسياحة وللأعمال التجارية. ونحن نحاول أن نروج لهم أن ميامي، هي عاصمة أمريكا اللاتينية، وأنه باستطاعتهم القيام بأعمالهم المصرفية والاستثمار والعمل هنا. لذلك فعليك أن تجعل من السهل عليهم التعامل بلغتهم الأصلية. فالاسبانية هي السبب الذي يجعل الناس تحب القيام بأعمالها في ميامي، حيث بإمكانهم التحدث بدون أي مشكل مع المصرفيين، والنادلين في المطاعم ، والمحامين والأطباء والمهندسين وأيا كان."


أما صامويل هنتغتون، الأستاذ المتخصص في الدراسات الإستراتيجية في جامعة هارفارد وصاحب نظرية "صدام الحضارات"، فيرى في مقاله الجديد الذي جاء تحت عنوان:"التهديد اللاتيني"، أن الوضعية في ميامي هي لا تتعدى كونها " وهم الأمة المتماسكة".
وأكد هنتغتون أن الإسبانية أخذت تنضم إلى لغة واشنطن وجيفرسون ولنكولن وروزفلت وكنيدي ، على أنها لغة الولايات المتحدة، " وإذا ما تواصل هذا الاتجاه فان الانقسام الثقافي بين اللاتينيين والإنجلونيين، يمكن أن يحل محل الانقسام العرقي بين البيض والسود."


واعتبر هنتغتون أن " السيطرة الكوبية واللاتينية على ميامي هي التي جعلت الأنجلو سكسونية يشعرون بأنهم أقليات يمكن تجاهلها، وكان أمامهم واحد من ثلاثة خيارات : إما قبول وضعهم كأقلية تابعة خارجية، أو تبني أخلاقيات وعادات اللاتينيين ولغتهم والانصهار في الجالية اللاتينية، أو ما يسمى "الانصهار الثقافي المعكوس" ، أو ترك ميامي والذهاب للعيش في مدينة أخرى".
فيما تأكد هلين أغيرا فري أن "القيم وليس اللغة هي التي تجعلنا أمريكيين. فيمكنني أن أتحدث الإنجليزية في أي مكان آخر وأن لا أكون أمريكية".

Oct 19, 2008




السراويل المنخفضة ... قصة قادمة من أمريكا


ميامي - سهام إحولين


روايات كثيرة تحاول إيجاد تفسير لقيام السود الأمريكيين بارتداء السراويل المنخفضة التي تظهر الملابس الداخلية لمرتديها. وخلال بحثي عن الحقيقة في شوارع واشنطن دي سي وميامي التي بدا لي فيها ارتداء هذا النوع من السراويل منتشرا، ليس فقط بين أصحاب البشرة السمراء، لكن أيضا بين محبي الهيب هوب والراب من اللاتينيين والبيض، قابلت إدوارد، طالب جامعي يدرس العلوم السياسية ويقطن واشنطن، الذي أكد أن نوع السروال الذي يرتديه هو عبارة عن طريقة مبتكرة للاحتجاج على الظلم الاجتماعي الذي يعاني منه السود، فهو " ليس مظهرا من مظاهر حب الهيب هوب بل يرجع أصله إلى صورة نشرتها إحدى الصحف لأحد السجناء الذين كانوا يرغمون على العمل الشاق في مزارع القطن، خلال فترة اضطهاد السود، حيث أصبح ذلك السجين نحيلا جدا لدرجة أن خاصرته لم تعد تقوى على حمل السروال، لذلك أصبح ارتداء هذا النوع من السراويل رمزا للاضطهاد والثورة على الظلم".


في حي آخر مختلف بالمدينة نفسها، كانت سيارة الأجرة التي استقليتها واقفة في عند الإشارة الحمراء، مر أمامنا شاب أسود يرتدي سروالا منخفضا جدا لدرجة أن ملابسه الداخلية البيضاء واضحة للعيان، تتدلى من رقبته مجموعة من السلاسل اللامعة الكبيرة. كان الشاب يعبر بصعوبة الشارع وهو يمسك بسرواله. نظر إلي سائق التاكسي وهو يرسم على ثغره ابتسامة سخرية وقال: " إن مثله يشعرني دائما بالتقزز والرغبة بالتقيء. إنه لا يعلم حتى أصل هذا النوع من السراويل"، فسألته: " وما هو أصلها؟"، فأجاب: "ترجع قصة هذه السراويل إلى السجون الأمريكية حيث كان ممنوعا على السود لبس الأحزمة خوفا من استخدمها في الاعتداء على المساجين الآخرين أو شنق أنفسهم بها، وانتقلت هذه الطريقة في اللبس من السجون إلى الأحياء السوداء ثم تبناها مغنو الراب والهيب هوب لتصبح رمزا لهم".

في ميامي، المدينة اللاتينية التي "لا تغرب فيها الشمس أبدا" حسب سكانها، يعتبر لفت الأنظار والتباهي من خلال كشف الملابس الداخلية أمام العموم عن طريق لبس هذه السراويل المنخفضة مرفوضا في ولاية فلوريدا كلها، وقد قال أحد مسؤولي المدينة في هذا الصدد: " من الأفضل أن يخلعوا سراويلهم بالكامل ويرتدوا بدلا عنها البدلات الرسمية"، مضيفا:" إن قمت بكشف الأعضاء الخاصة من جسمك، فسيتم تغريمك بمبلغ 500 دولار أمريكي وسيغامر من تسول لهم أنفسهم مخالفة القانون الجديد الذي وافق عليه مجلس شيوخ الولاية، باحتمال سجنهم لفترات قد تصل إلى ستة أشهر".

كلامه هذا أثار حفيظة السود والمعجبين بهذا النوع من الموضة، واتهموه بـ"العنصرية" و"التحامل على السود"، مما دفعه للرد عليها بقوله: "لست ضد السود على الإطلاق. إن إظهار جزء من الثياب الداخلية والخروج علنا بشكل شبه عار، أمر منافي للقانون...إننا لا نمنع ارتداء السراويل المنخفضة، ولكن على من يرتديها أن يغطي ثيابه الداخلية بقميص طويل".
ربما اقتنع باتريس، ذو الأصل الهايتي، الذي كان يتجول مع والدته قرب ميامي بيتش، بهذا الطرح، مما جعله يطبقه ويرتدي مع سروال جينزه المنخفض، قميصا أزرقا طويلا. يقول باتريس أن هذا الأمر جعله يوفق بين رغبته في ارتداء ملابس على الموضة مثل أصدقاءه في الحي وفي الدراسة، وبين تحقيق شيء من الاحتشام واحترام الآخرين. " أكد لي والدي مرارا أن لبس هذا النوع من السراويل كان يرتديه المساجين السود لبعث رسالة للآخرين بأنهم يمارسون الدعارة ... لم أصدقه في البداية، وظننت أنه يريد فقط منعي من ارتدائها، لكنني سمعت نفس الشيء من مدرسي في الفصل ومن بعض أصدقائي. هذا الأمر مقزز، لكن معظم أصدقائي يرتدونه، وهذا يشكل ضغطا علي .. علي تقليدهم وإلا اعتبرت خارج الموضة وخارج العالم المتحضر
".