Aug 7, 2007

Aug 6, 2007

رجال الأمن المغاربة يجابهون الإرهاب ب2.400 درهم في الشهر- ما يعادل 240 دولار
بعد عدة محاولات فاشلة للحديث مع رجال الأمن الذين فضلوا الكتمان، وبعد تردد كبير للذين وافقوا مبدئيا على الحديث لـ"المساء" وإلحاحهم على سرية أسمائهم والمدن التي يشتغلون فيها، جاء هذا الروبورتاج الذي يحكي عن قصة ألم ومعاناة رجال الأمن المغاربة ماديا ومعنويا، أبطالها مراد، سعيد و نسرين (أسماء مستعارة) والذين استطعنا من خلال ما رووه لنا رسم صورة واضحة المعالم للظروف الاجتماعية التي يعيش في ظلها رجل الأمن المغربي.
صيف ساخن بكل المقاييس يعرفه المغرب هذه السنة. ساخن بدرجة الحرارة المرتفعة وأشعة الشمس الحارقة، وساخن بالتهديدات الإرهابية لتنظيم القاعدة باستهداف المغرب وبحالة التأهب القصوى التي أعلنت عنها وزارة الداخلية لمجابهة هذا التهديد الإرهابي. لكن بالنسبة لرجال الأمن المغاربة المرابطين خلف الحواجز الأمنية عند مداخل ومخارج المدن وقرب المؤسسات الرسمية وفي محيط السفارات والمراكز الأجنبية، فصيف هذه السنة ملتهب لعدم حصولهم على إجازتهم السنوية ولوقوفهم لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة بلباسهم الرسمي.
يقول مراد، 45 سنة، رجل أمن منذ ما يقارب العشرين عاما: " الكل لديه فكرة خاطئة تماما عن رجال الأمن المغاربة. لا أعرف لماذا ينزعون عنا ثوب الإنسانية. نحن لسنا شياطين كما يظن غالبية المغاربة، لكننا لسنا ملائكة أيضا. نحن مغاربة مثلكم لنا أطفال وزوجات وحياة عائلية. لنا مشاكل وهموم أيضا."
يقف مراد ببذلة عمله التي تخفي جسده الهزيل. ينزع قبعته، التي تقيه أشعة الشمس الحارقة، للحظة ليمسح العرق الذي يتصبب من جبينه. ينظر يمنة ويسرة كأنه يتأكد من عدم وجود أحد يمكن أن يسمع أو يتبين ما يقول ثم يضيف:" نعمل طول النهار وفي بعض الأيام طول الليل ليعطونا في آخر الشهر بعض الدريهمات التي لا تكفي لشيء، ويستغربون بعدها عندما تصلهم أخبار عن انتشار الرشوة والفساد في صفوف رجال الأمن. وتقوم الدنيا ولا تقعد وتقود الصحافة حملة ضدنا، ولا أحد يتساءل عن السبب الكامن وراء ذلك".
يتقاضى رجل الأمن المتخرج للتو حوالي 2.400 درهم إلى أن تصل إلى حوالي 3.500 بعد عدة سنوات من الخدمة. هذا في الوقت الذي يتقاضى زملائهم الفرنسيون والإسبان أكثر من 2.500 يورو أي ما يعادل
25.000 درهم لأداء نفس المهمة.
"منذ تفكيك شبكة أنصار المهدي الإرهابية السنة الماضية ونحن نعمل في ظل ضغط مستمر. نتيجة للخصاص في العنصر البشري، نضطر في بعض الأحيان إلى زيادة ساعات العمل اليومية لتصل إلى 20 ساعة في اليوم دون تعويض مالي. أليس هذا ظلما؟" يقول مراد بتذمر واضح. ينظر مراد مرة أخرى يمينا وشمالا ثم يضيف:" في الحقيقة، أنا نادم لأني أصبحت رجل أمن. ليتني درست أكثر وحصلت على نقط أكبر، لكنت الآن طبيبا أو مهندسا، ولكنت الآن أعيش حياة كريمة دون الحاجة إلى الاقتراض من هنا وهناك، ولكان الآن أبنائي يدرسون بأحسن المدارس الخاصة بدلا من الحكومية... لكنني أؤمن أن الوقت لم يفت بعد، فأنا أفكر بجدية في تغيير مهنتي التي أعرض فيها نفسي للخطر كل يوم من أجل الفتات. أنا أحس ب"الحكرة"".
منذ نعومة أظافره وسعيد يحلم بأن يكون شرطيا. كان يؤمن بأنه حين يصبح رجل أمن سيكون في الصف الأول في الحرب الأزلية بين الخير والشر، حيث سيكون البطل الذي يقضي على الأشرار المتمثلين في اللصوص والقتلة مثل أبطال الرسوم المتحركة التي كان يحرص على تتبعها يوميا مع إخوته في منزل الجيران إلى أن استطاع والده شراء جهاز تلفاز.
لكن سعيد الصغير كبر وأصبح شابا وبدأ يسمع ويقرأ عن أبطاله "رجال الأمن" ما لم يرقه، من أوضاع اجتماعية قاسية وسمعة سيئة. سعيد لم يصرفه كل ذلك عن تحقيق حلم طفولته والالتحاق بالأمن الوطني. "كنت أظن أن رغبتي الجامحة وحبي الكبير لمهنة الشرطة قادران على تخطي كل العراقيل والمصاعب أكانت مادية أو معنوية لكنني كنت مخطئا" يقول سعيد بنبرة فيها مسحة من الندم الواضحة.
إضافة للأوضاع الاجتماعية القاسية، يعاني رجال الشرطة من سمعة سيئة عنوانها الرشوة والقسوة. رجال الأمن بالنسبة للمغاربة يجسدون القمع والفساد والعصا الغليظة التي تضرب بها الدولة على رؤوس معارضي سياستها بدلا من أن يجسدوا في عيون المغاربة أبطالا يسهرون على أمنهم وسلامتهم.
"في بعض الأحيان أخجل من كوني رجل أمن" يقول عادل بتذمر، يتوقف للحظة عن الكلام ليتأكد أنني لن أذكر اسمه الحقيقي، لأن هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى "عواقب وخيمة لا تحمد عقباها" حسب عادل، ثم بعد دقائق من التردد يتابع حديثه بالقول:" أبلغ الآن 36 سنة ومازلت لم أتزوج، فالراتب الذي أحصل عليه لا يسمح لي بذلك. فهو بالكاد يكفينا أنا وأبواي وإخوتي الحاجة".
نسرين، 35 سنة، زوجة رجل أمن وأم لثلاثة أطفال تتحدث بحسرة عن الواقع المر الذي تعيشه أسرتها: " منذ إعلان حالة التأهب القصوى وزوجي يقضي معظم وقته في العمل. لا يراه الأطفال إلا نادرا، فهو يصل إلى المنزل مساءا بعد انتهاء دوامه اليومي منهكا وفي حالة نفسية عصبية بسبب طبيعة عمله... أولاده يفتقدونه جدا وهو أيضا يشتاق إليهم ... حتى أيام العطل، هذه الأيام، لا يقضيها في معظم الأحيان معنا. أوكان غير كان هاتشي بفايدة."
بأجرته البسيطة كرجل أمن، يعيل أحمد زوجته وأطفاله الثلاثة. ما أن يقبض أحمد أجرته الشهرية حتى يذهب جزء منها لكراء المنزل الذي يقطنون فيه، جزء لتأدية فاتورة الماء والكهرباء وجزء لمصاريف الأكل والشرب ولا يتبقى بعد ذلك الكثير بل القليل فقط الذي لا يكفي لسد حاجيات أسرة مكونة من خمسة أفراد.
تقول نسرين متحدثة عن معاناة زوجة رجل الأمن: " الحمل كله يقع على زوجة رجل الأمن. مسؤولية المنزل والاعتناء بالأطفال ومتابعة دراستهم كلها تقع على عاتقها. فالزوج يكون في غالب الأحيان في العمل أو في مهمة بمدينة أخرى. حتى وإن كان في المنزل فهو غالبا ما يكون متعبا ومتوترا بعد يوم شاق.
الدار ولات بحال لوطيل".
أجرة بسيطة، ضعف القدرة الشرائية، ظروف اجتماعية قاسية، ساعات عمل طويلة، صورة سيئة، وضغط وتوتر. هكذا يعيش رجل الأمن المغربي الذي يطلب منه الوقوف في الصفوف الأمامية في الحرب ضد الإرهاب، وتعريض حياته للخطر من أجل سلامة الآخرين
.