Jun 17, 2008



الأفلام الهندية...السحر القادم من الشرق


سهام إحولين



يحبها وتحبه
تغني له ربع ساعة
يغني لها ربع ساعة
فجأة كل الذين حولهم يبدؤون بالرقص.. وتظهر أصوات الموسيقى في الجبل
يغضب والد البنت لأنها أحبت شخصا فقيرا، ولذلك يقوم بحبسها
يأتي حبيبها إلى نافذتها
يغني لها ربع ساعة
تغني له ربع ساعة
وفجأة يبدأ حراس المنزل ووالد البنت بالرقص
تأتي صديقة البنت لتزورها في غرفتها … وتسألها عن حبيبها
عندها تغني البنت وصديقتها ربع ساعة
يسمع الأب ابنته وهي تغني، فيرق لها ويعفو عنها
يتجه الأب لبيت حبيبها ويطلب منه أن يزور ابنته ويوافق على زواجهم
يهرول الحبيب فرحان إلى حبيبته
يغني لها ربع ساعة
تغني له ربع ساعة
ويبدأ خدم البيت بالرقص
يعود ابن عم البنت من الخليج حيث كان يعمل
لا يعجبه الوضع .. فيقوم بقتل حبيب الفتاة
تبكي البنت على قبر حبيبها
ثم تغني بحزن ربع ساعة ثم تموت …
لكن الفيلم لم ينته بعد
فروح الحبيبة وروح الحبيب تجتمعان بشكل خيالي وتغنيان ساعة ونصف.
أضف إلى هذه القصة الكلاسيكية الألوان الزاهية، والموسيقى التي تارة تكون راقصة وأخرى تراجيدية، والمناظر الطبيعية الخلابة، حزينة، نهاية تراجيدية ودموع كثيرة تنهمر على خد المشاهدين. هكذا يمكن تلخيص الخلطة السحرية للأفلام الهندية التي كانت تعرض في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي في القاعات السينمائية المغربية ممتلئة بالمتفرجين وخاصة الإناث منهم. الفيلم الهندي، ورغم الأزمة الذي تعرفها القاعات السينمائية، ما زال الأكثر ولدى أبطاله أمثال شاروخان، اشوريا راي، واميتان باتشان، لهم شعبية مهمة لدى الجمهور المغربي.

غير أن النظرة إلى جمهور الفيلم الهندي تغيرت في أيامنا هذه، وأصبح من يعترف بأنه من عشاق "لهنود" كمن يعترف بسذاجته وقلة ذوقه، هذا إذا لم يواجه اعترافه بكلام من قبيل: " لهنود ما تيعجبو غير الشمكارا"، أو نكت من قبيل: " شريط فيديو وقع من طيارة لكنه لم ينكسر. لماذا؟ لأنه يحتوي على فيلم هندي"، وذلك رغم أن الهند أول بلد منتج للسينما في العالم بأكثر من 800 فيلم سنويا.
لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن جمهور الأفلام الهندية لا يقتصر فقط على "الشمكارا"، فهناك عدد من التلاميذ والطلبة الجامعيون، والموظفين والمهندسين والأطباء وغيرهم، والذين أدمن بعضهم هذا السحر القادم من الشرق.

" أنا مدمنة على أفلام بوليود منذ أكثر من عشر سنوات. شاهدت عددا كبيرا منها...أحب العالم الخيالي الذي أسافر إليه كلما شاهدت فيلما هنديا..أحب الموسيقى "بوهوت" ( كثيرا) ...وأحب كل أفلام شاروخان ...كلها "بوهوت أتشي" ( جيدة جدا)" تقول مريم، 34 سنة، مهندسة معمارية، بنبرة فرحة. لم تعد مريم بحاجة إلى الترجمة العربية لمشاهدة الفيلم، فهي أصبحت تستطيع مشاهدة الفيلم باللغة الهندية وحدها. كل شيء في مريم يدل على أنها فعلا تحت وقع السحر الهندي، فهي تستخدم عبارات هندية في حديثها اليومي، وتحرص على اقتناء اللباس الذي يشبه لباس ممثلاتها المفضلات. حتى الألوان الزاهية الحاضرة بقوة في الأفلام الهندية، فقد حرصت مريم على أن تكون حاضرة في لباسها اليومي. " ما زال فكرة أن السينما الهندية سينما ساذجة هي الطاغية في أذهان الكثير من المغاربة، رغم أن الدول الأوروبية أصبحت منذ مدة تعرض هذه الأفلام على قنواتها، وأصبحت هذه الأفلام تشارك في المهرجانات السينمائية عبر العالم، كما أنها شاركت أكثر من مرة في مسابقة الأوسكار الأمريكية"، توضح مريم بجدية، تجيب على هاتفها النقال الذي كان يرن على موسيقى فيلم " جوم برابر جوم" من أحدث أفلام النجم أميتاب باتشان وابنه، ثم تضيف: " الأفلام الجديدة تختلف تماما عن القديمة. فلم تعد قصة الفيلم تقتصر على قصة البنت الغنية التي تحب الشاب الفقير، فالقصة أصبحت الحبكة الدرامية أكثر تعقيدا، تتشكل بهاراتها أساسا من المشاكل الاجتماعية، والنزاعات السياسية. قصصها تخرج المشاهد من عالمه الضيق إلى رحاب عالم جذاب مليء بالرقص والموسيقى. إن الأفلام الهندية في نظري أفضل من الأفلام الأمريكية لأنها تعالج المشاكل الأسرية الواقعية والقريبة من القيم والأخلاق المغربية".

رغم أن الفتيات والسيدات هن الجمهور الأول للأفلام الهندية بسبب قصصها المؤثرة الرومانسية، إلا أن هناك عددا من الشباب الذين يحبون الهند وأفلامها لدرجة جعلت أحدهم يسافر للهند ويمكث بها أكثر من سنتين قبل أن يعود إلى المغرب. هذا الشاب اسمه خالد، 27 سنة، مستخدم، يقول: " لي تاريخ مع الأفلام الهندية ... فهي أفلام الطفولة .. تطورت معي .. مع تطور عمري .. حتى وصلت ما وصلت إليه الآن. من شدة شغفي بها، سافرت إلى الهند ومكثت في مومباي، عاصمة بوليود، كما يقارب السنتين، كنت أطمح لأن أصبح ممثلا، لكن رغم معرفتي باللغة الهندية إلا أنني لم أستطع أن أحقق هدفي، فقررت العودة إلى المغرب".

لكن خالد لم يخبو عنده حبه للهند وموسيقاها التي لا يطربه غيرها وأغانيها التي يحفظ العديد منها ولغتها التي أصبح يتقنها وأفلامها وممثليها الذين يعتبرون آلهة في بلدهم، فهم ما يزال يحلم بها ويحبها. "هناك الكثير من الروائع في الأفلام الهندية.. سواء القديمة منها أو الحديثة لكنني أفضل نجوم السبعينات .. مثل اميتاب باتشان .. فيروز خان .. دارمندرا .. فينود كانا أفلامهم كانت ولا أروع .. مثل الشعلة .. كورباني .. مارد .. تعتبر هذه كلاسيكيات السينما الهندية" يقول خالد بشغف واضح.

أول فيلم هندي عرض في المغرب كان بعنوان " ذهب مع الريح"، وقد تم عرضه في سينما "ريكس" بطنجة سنة 1955. خصومها اعتبروها مفسدة للذوق وغير ذكية، وهو ما يألم مريم وخالد اللذين ينفيان ذلك ويؤكدان أن لها الفضل في عدم إغلاق قاعات السينمائية لحد الآن.
وجد خالد ومريم طريقة لمشاهدة أفلامهم المفضلة، التي لا يوجد معظمها في السوق، وذلك عن طريق جلبها مباشرة من الهند عن طريق أصدقاء لهم هناك. كما أنهم يتابعون ما يجري من أحداث في الهند، وعلى علم بتفاصيل النزاع حول كشمير بين الهند وباكستان، وكيف كانت الهند وباكستان وبنغلاديش بلدا واحدا قبل الاحتلال البريطاني، ويحبون ماهاتما غاندي، ويحفظون عن ظهر قلب معظم مقولاته.

المواقع والمدونات المخصصة لعشاق الأفلام الهندية وأخبار الممثلين والممثلات تتناسل على شبكة الانترنت ومعظمها تم خلقها من طرف مغاربة. هذا الحب، يجد تفسيره حسب المنتج الهندي كومار مانغات، في أن "المجتمعين المغربي والهندي لديهم القيم الثقافية نفسها، ويواجهون المشاكل نفسها"، فيما يرى المخرج فيشال باردفاج، أن "شعبية الأفلام الهندية والتجارب الناجحة للعديد من السينمائيين العالمين الذين قاموا بتصوير أفلامهم في المغرب، تغري المخرجين والمنتجين الهنود بالتصوير في المغرب".

" استطاعت الهند عبر أفلامها اختراق الحدود والمسافات الجغرافية والثقافية واللغوية، واستطاعت أن تطيح بالفيلم الأميركي التي يحرض على العنف، في حين أن الفيلم الهندي يدافع في عمقه عن الأخلاق وتماسك الأسرة واحترام الوالدين. أتمنى أن تستفيد أفلامنا المغربية من تجربة بوليود"، يقول خالد، قبل أن يجمع يديه المبسوطتين الاثنتين على الطريقة الهندية ويقول " ناماستي".

No comments: