Sep 21, 2007

أوبرا وينفري...قصة السندريلا السمراء التي تتربع على عرش الإعلام الأمريكي
من شوارع الفقر إلى عرش الإعلام الأمريكي رحلة طويلة وشاقة. أوبرا وينفري قطعت هذه الرحلة المتعبة من الحضيض إلى القمة وقد أصبحت الآن ملكة الإعلام الأمريكي واول مليارديرة اميركية من أصل افريقي والتي اختارتها مجلة "فوربس" الأميركية لتكون الشخصية الأكثر تأثيرا في العالم للعام 2005 متقدمة بذلك على مشاهير الفن، السياسة، والرياضة بل ومتقدمة كذلك على الرئيس الأمريكي.

عرفها الجميع من خلال برنامجها "أوبرا شو" الذي يتم بثه في مئة واثنا عشر دولة، ويشاهده ثلاثين مليون مشاهد امريكي اسبوعياً. يعد "أوبرا شو" من البرامج الأكثر شهرة في الولايات المتحدة والعالم بشكل عام وذلك من خلال تسليطه الضوء على العديد من الموضوعات الاجتماعية النفسية الفنية والثقافية وغيرها من الامور الحياتية، بالاضافة الى الموضة والازياء والطبيخ والبيوت ومواضيع الصحة والامراض.
رأت اوبرا وينفري النور سنة 1954 في ولاية الميسيسيبي حيث التمييز العنصري ضد السود كان في أشده. والدها كان حلاقاً بالاضافة الى عمله ببعض الاعمال التجارية الصغيرة ووالدتها كانت تعمل خادمة في البيوت. عاشت أوبرا الصغيرة في منزل جدتها بأفقر أحياء ولاية المسيسبي. كانت جدتها تعمل غسالة للملابس في حي فقير وتجني فقط ما يكفي لسد رمقهما. كانت طفولة أوبرا مليئة بالحزن والتعاسة لكن ذلك لم يمنعها من الحلم بأيام أفضل من التي تعيشها. تقول اوبرا: «في طفولتي كنت املك حلما بأن اكون مشهورة وغنية، إلا انني كنت اعي الظروف التي ولدت في ظلها، حيث تربيت في بيت جدتي الفقير التي تعلمت منها القراءة، واهلتني كي اصبح على ما انا عليه الآن».
لكن عندما بلغت اوبرا التاسعة من عمرها حصل شيء سيغيير نظرتها للحياة كليا فقد تعرضت للاغتصاب على يد احد ابناء عمومتها، كما تعرضت لسلسة من الاعتداءات والتحرش من قبل احد اقربائها وأصبحت ترى الحياة مظلمة ومليئة بالأشواك.
انتقلت أوبرا بعد ذلك للعيش في بيت والدها لكن ذلك لم يمنعها من أن تنحرف الى طريق المخدرات وكانت لا تزال في الرابعة عشر من عمرها. كما أنها انجبت طفلا لم تكتب له الحياة. ولكن تدريجيا و بفضل مساعدة والدها استطاعت أوبرا الخروج من عالم المخدرات و متابعة سير حياتها.
كانت الخطوة الأولى لأوبرا وينفري في طريق القمة عملها كمراسلة لأحد قنوات الأذاعة المحلية بسبب اتقانها القراءة وهي لا تزال تدرس في المرحلة الثانوية. التحقت بعد ذلك بالتعليم الجامعي بولاية تينيسي، حيث حصلت على منحة دراسية. لكن رغم ذلك عانت أوبرا من الصعوبات والمضايقات بسبب كونها من الطلبة القلائل ذوي الأصول الإفريقية.
في سنتها الجامعية الأولى، لفت حضورها الإذاعي اشخاصا اقترحوا عليها العمل في التلفزيون، لتصبح اول اميركية من اصل افريقي تقدم الاخبار في تلفزيون . تقول أوبرا مستذكرة ما حدث: "أذكر انني رفضت العرض نفسه مرتين، وفي المرة الثالثة، قصدت احد مدرسيّ وقلت له: ارفض العمل في التلفزيون لانني اخاف ان لا انهي دراستي الجامعية، ورد عليّ المدرس قائلا: ألا تعلمين ان الناس يقصدون الجامعة لهذا السبب؟".
في عام 1984 انتقلت اوبرا الى شيكاغو لتقديم البرنامج الصباحي A.M.CHICAGO الذي اصبح بعد مرور شهر على بثه البرنامج الأول على القناة، وفي اقل من عام كامل تغير اسم البرنامج الى اوبرا وينفري شو ومددت فترته الى ساعة كاملة. في نفس السنة لعبت أول أدواترها السينمائية ر كممثلة مساندة في فيلم color purple و قد حصلت عنه على جائزة الجولدن جلوب المرموقة. في عام 1986 اصبح بث برنامج "أوبرا شو" على المستوى الوطني ليكون الأكثر مشاهدة على مستوى برامج الحوارات.
وعن سر نجاح برنامجها تقول اوبرا: "اعتقد أن الأمر مرتبط بذلك الخيط الذي يربط بين اذهان البشر وعقولهم، فكلنا نرغب في الأشياء نفسها وتجاربنا الإنسانية متشابهة الى حد ما، ليس هذا وحسب، بل ان الشعور الذي تنقله الى من تحاوره بانك لا تعتبر نفسك اعلى منزلة يجعل الحوار اكثر تلقائية وراحة. كما ان العديد من الذين حاورتهم اصبحوا اصدقائي ويدعوني لزيارة منازلهم وتناول الغذاء معهم". كان اول حجر اساس تضعه اوبرا في بناء امراطوريتها هو شراؤها لبرنامجها، واصبح تحت تصرفها من خلال شركة انتاجها HARPO PRODUCTION وهو اسم اوبرا بالمقلوب، والتي أسستها في التسعينات في شيكاجو، لتصبح بذلك ثالث أمرأة تملك شركة انتاج.
لكن أوبرا لم تنسى ماضيها فكانت لها المبادرة فى سن قانون لحماية الأطفال عام 1991، حيث ألقت بشهادتها أمام اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ مطالبة بإنشاء شبكة معلوماتية للمتهمين بالاعتداء على الأطفال فى الولايات المتحدة، وقد قام الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون سنتين بعد ذلك بالتوقيع على المذكرة التي اقترحتها.
وفي إحدى حلقات برنامجها الذي تناول استغلال الأطفال جنسيا استضافت أوبرا مجموعة من الأشخاص الذين تعرضوا في صغرهم إلى هذا الاستغلال. لم تستطع أوبرا نسيان جراح الماضي فباحت لجمهورها بما حصل معها من اغتصاب وتحرش جنسي في طفولتها.
وقد عرضت أوبرا مبلغ 100 ألف دولار من مالها الخاص لكل مشاهد يستطيع أن يدلي بمعلومات تمكن رجال الشرطة من القبض على المتورطين في استغلال الأطفال جنسيا والمنشورة أسماؤهم في موقعها الإلكتروني.وبعد أقل من 48 ساعة، تم القبض على شخصين من القائمة المذكورة. وفي الحلقة التالية من برنامجها بثت لقطات تصور عملية إلقاء القبض عليهما.
في سنة 1997 أسست برنامجها الشهيرOprah’s angles net work، والذي يدعو لجمع المساعدات المالية لمساعدة المحتاجين. وقد حقق هذا البرنامج نتائج جيدة حيث تم بناء 200 منزل لإيواء المشردين، كما استخدمت 30 مليون دولار من المساعدات لإنشاء منحة تعليمية جامعية للطلاب المحتاجين، بالإضافة إلى دعمها المعنوي والمالي لضحايا "تسونامي" من خلال شبكتها التي تهدف إلى تشجيع العمل التطوعي.
أما أعظم أعمال أوبرا الإنسانية فيظل هو قيامها بتبني خمسين ألف طفل إفريقي، عندما كانت في زيارة لقارة أفريقيا، وذلك في محاولة منها للمساهمة في حل مشكلة الفقر المزمن، الذي يعاني منه الكثير من أطفال أفريقيا. وقررت أن لا تنجب أطفالا.
في حوار لها مع مجلة "لايف" قبل سنوات قالت أوبرا: "كانت أسرتي تلقبني وأنا صغيرة بدودة الكتب، حيث كنت أمضي ساعات طويلة فى مكتبة المنزل أقرأ وأقرأ ويمضي الوقت دون أن أدرك ما يحدث من حولي.كانت الكتب تمنحني فكرة أن هناك حياة مختلفة وراء منزلي الفقير في المسيسيبي".
عشقها للقراءة دفعها الى تقديم "نادي الكتاب" ضمن برنامجها "أوبرا وينفري شو" في عام 1996، وخلال ست سنوات قدمت ما يزيد على 46 كتابا.
وقد ارتفعت مبيعات الكتب التي قامت أوبرا باختيارها لتصل الى قائمة "أعلى الكتب رواجا" وبيع أكثر من مليون نسخة من كل كتاب. ومنحها اتحاد الكتاب الأميركي ميدالية ذهبية في عام 1999، وجائزة الشرف من اتحاد الناشرين الأميركيين عام 2003 تقديرا لتأثيرها في صناعة الكتاب في الولايات المتحدة من خلال هذا البرنامج.
في سنة 1999 أنشأت اوبرا شركة oxygen media الخاصة ببرامج المرأة على التلفزيون والأنترنت، و اطلقت برنامج Oprah after the show الذي كان يبث حصريا لقناة اوكسجين وهو عبارة عن نصف ساعة من لقطات واقعية لا تلتزم بأي نص.
سنة بعد ذلك شهدت مولد آخر عنقود من عناقيد امبراطوريتها الإعلامية وهي "مجلة أوبرا "التي اصبحت اليوم من اهم المجلات المتصدرة والمتخصصة بحياة النساء، وسجلت المجلة نجاحا تاريخيا، وفي عام 2002 طرحت اوبرا النسخة العالمية من مجلتها في جنوب افريقيا.
في سنة 2001 استضافت أوبرا للمرة الاولى امرأة مسلمة في برنامجها وهي الملكة رانيا العبد الله وذلك رغبة منها في تصحيح المفاهيم الامريكية الخاطئة الشائعة عن الاسلام.
ولكنها أثارت جدلا في الرأي العام العربي والإسلامي بسبب تقرير عن مذيعة التلفزيون السعودي رانيا الباز التي تعرضت للضرب المبرح الذي كاد يودي بحياتها على يد زوجها. فقد شعر السعوديون بالغضب بشكل خاص لأن وينفري توجهت إلى مشاهديها في ختام برنامجها وقالت: "الحمد لله أننا نعيش في أميركا".
اسم أوبرا وينفري مرادف لقوة العزيمة والإرادة و المراة التي صنعت كل ما تملكه من لا شيء. كثيرا ما يتم تشبيه أوبرا وينفري في وسائل الإعلام الأمريكية بالسندريلا السمراء للتشابه الكبير بين قصة أوبرا وقصة ساندرلا التي وبعد أن كانت مجرد خادمة في بيت أبيها وزوجته أصبحت زوجة ولي عهد المملكة. لكن بالنسبة لأوبرا فإنها لم تنتظر الجنية لتحولها إلى أميرة بعصاها السحرية بل تابرت ودرست وعملت بجد حتى وصلت لما هي عليه الآن. وتكون بذلك قد أثبتت للجميع أن تحقيق الأحلام ليس مستحيلا حتى بدون عصا سحرية.
سهام إحولين


No comments: