Sep 21, 2007

أن تكون يهوديا بالمغرب
بين عدم الشعور بالأمان وبين القيود الاقتصادية، لم تنقطع هجرة اليهود المغاربة. وصلت الديانة اليهودية في المغرب إلى الطريق المسدود وأصبح أتباع هذه الديانة يخافون من رؤية مجتمعهم يندثر مع مرور الزمن، ولا يبقى له أثر في خريطة المملكة الشريفة
إنها الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر بشارع مولاي اسماعيل بالرباط. تجلس استير بريتز، سيدة عجوز في 80 من عمرها، لوحدها في ركن من درجات أكبر كنيس يهودي بالرباط "تلمود توراة". تضع استير وشاحا على رأسها، ويظهر على وجهها الذي لفحته الشمس، علامات الاضطراب والقلق والحزن ولا تكف هذه العجوز عن مراقبة المارة. وفي كل مرة يقترب فيها أحدهم من درجات الكنيس، تقف على الفور وترتعب. تنتظر استير أن يفتح الكنيس أبوابه في الثالثة بعد الظهر. "استير كانت تسكن بحي الملاح وعندما انهار سقف منزلها لجأت إلينا" تقول ماري، سكرتيرة الكنيس.
ولدت هذه العجوز في مدينة سلا، مدينة يفصلها عن عاصمة المملكة نهر أبي رقراق. " لم أجد يوما سببا قويا يدفعني لمغادرة بلدي الذي ولدت فيه، كما فعل العديد من أقربائي الذين هاجروا إلى إسرائيل." تقول السيدة بريتز وقد اغرورقت عيناها بالدموع.
انخفض عدد الطائفة اليهودية بالمغرب مع مرور السنين، حيث يبلغ عددهم حاليا أقل من 5.000 شخص يعيش أقل من 2 بالمائة منهم بمدينة الرباط، وذلك حسب إحصائيات مجلس الجالية اليهودية بالمغرب.
وغير بعيد عن كنيس "تلمود توراة"، يقع ملاح الرباط، وهو حي قديم محاط بالأسوار وله عدة منافذ، وكان قديما مخصصا لليهود، الذين هجروه فيما بعد. للملاح طابع خاص بالمقارنة مع الأحياء الأخرى حيث يتميز بأجوائه الحيوية التي يخلقها التجار والباعة المتجولون في أزقتها التي تعج بالزبائن.
الدكاكين الصغيرة موجودة في كل مكان، الخبازون ، بائعو الطيور الداجنة ، باعة السمك ، باعة الأقمشة والخضراوات ونحوها يتكلمون بأصوات عالية لاجتذاب الزبائن. رائحة كريهة منتشرة في هذا الحي الشعبي الذي لا يتجاوز فيه علو المباني ثلاث طوابق.
" كنا ملوك الملاح لكن كل شيء تغيير بالنسبة لنا، فلا يعيش الآن في الحي سوى عائلتين يهوديتين فقط" يقول ميناهيم دهان، حاخام كنيس الملاح، بأسى وحزن.
كان حذرا في البداية لكنه فتح لنا باب منزله بعد أن اطمئن لنا. تغطي جدران منزله حلي وصور شخصيات يهودية، وفي وسط طاولة يوجد كتاب توراة مزين. يظهر الأثاث، سلال الفواكه على طاولات الصالون وزيه الأنيق أنه يعيش حياة مرفهة بالمقارنة مع سكان الحي.
يبدأ الحاخام في سرد قصته وهو يجلس على أريكة عربية ويضع قبعة "كيبة" اليهودية على رأسه. دهان، المنحدر من مكناس، تابع دراسته الجامعية في فرنسا قبل أن يسافر إلى إسرائيل لإكمالها وليحصل على دبلومه من هناك. بعد ذلك قرر العودة إلى بلده، تاركا وراءه والده وأخوته الذي هاجروا إلى إسرائيل في السيتينات من القرن الماضي.
"لم تكن إسرائيل ترفا فيما مضى. هذا هو السبب الذي جعلني أفضل البقاء وحيدا في بلدي حيث قمت بتدريس العبرية في المدارس " يتابع الحاخام.
يفسر دافيد طوليدانو، الأمين العام للطائفة اليهودية في الرباط، أنه قبل الأربعينيات كان عدد السكان اليهود حوالي 280.000 شخص. بعد إنشاء دولة إسرائيل في سنة 1948 هاجر أكثر من 90.000 شخص إلى
"الأرض الموعودة" من طرف الإنجيل والتي تمثل حلم كل اليهود. جاءت الموجة الثانية للهجرة بعد استقلال البلاد سنة 1956، حيث كان اليهود ينظرون إلى رحيل الفرنسيين على كونه بمثابة تهديد لسلامتهم.
الهجرة
في بداية الستينات، استغلت الولايات المتحدة بالتواطؤ مع المغرب المجاعة التي كانت سائدة في البلاد لتشجيع الهجرة إلى إسرائيل ، مما أدى إلى هجرة 10.000 من اليهود المغاربة هربا من البؤس والفقر.
"في سنة 1961 ، صوحبت الزيارة الشهيرة للزعيم المصري جمال عبد الناصر للدار البيضاء بمظاهرات ضد اليهود. وقد أدت هذه المظاهرات إلى هجرة العديد من اليهود خوفا من صعود القومية العربية" يتذكر سيمون ليفي، مدير متحف اليهودية المغربية الدار البيضاء والأمين العام لمؤسسة التراث الثقافي اليهودية المغربية.
ثم جاءت حرب الأيام الستة (1967) التي عرفت نزوح حوالي35.000 يهودي مغربي. ويؤكد الأمين العام لمجلس الطائفة اليهودية بالمغرب ورئيس التجمع العالمي لليهود المغاربة، سيرج بردوغو، أن لا أحد أجبر اليهود المغاربة على مغادرة البلاد، ولكن إسرائيل هي التي قامت بإغرائهم عن طريق وعود بحياة أفضل.
"يبلغ عدد أفراد الجالية اليهودية المغربية بالخارج حوالي مليون شخص، من بينهم 600.000 شخص في إسرائيل و400.000 شخص موجودون في بلدان متعددة في جميع أنحاء العالم. وقد هاجر الأغنياء منهم إلى أوروبا، وكندا والولايات المتحدة الأمريكية."
ما يدفع اليهود المغاربة اليوم للهجرة هي المصاعب والمشاكل الاقتصادية بالخصوص.
"لا أستطيع أن أقول لشاب أن يتمسك بوطنه الأصلي إذا وجد ما هو أفضل في مكان آخر" ، يقول بردوغو، الذي استقر ابنه في فرنسا، بأسف.
بعد الباكالوريا، يسافر اليهود المغاربة لمتابعة دراستهم بالخارج، وهناك يتبنون ثقافات جديدة ولا يعودون إلى المغرب إلا لزيارة أقاربهم.
"حتى هذه الزيارات العائلية أصبحت نادرة الآن" يشتكي داهان، الذي يعتصره الحزن برؤية الكنيس شبه مهجور "أشعر بألم يعتصر قلبي عندما أجد من الصعوبة جمع عشر مصلين وهو الحد الأدنى للقيام بالصلاة".
يتشكل اليهود العائدون إلى المغرب من الشبان الذين يعيشون حياة سهلة ولا يريدون أن يتخلوا عنها، أو الذين يجدون صعوبة في الاندماج في مجتمع آخر جديد. ليا، ثلاثين سنة، تقول إنه بمجرد حصولها على الدبلوم من فرنسا، عادت إلى المغرب لأنها شعرت بالحنين إليه. أما السيدة ازويلوس (زوجة أكبر تاجر مجوهرات بالمغرب) ، تقول أنها أرسلت ولديها ، سيرج وباتريك ، لمتابعة دراساتهما بفرنسا، وبعد حصولهما على دبلومهما عادا للبلاد لإدارة ثروتهما. " ومن ثم ، فهناك من لهم روابط ميتافيزيقية مثل استير وليا ، هناك من يحس بالرضى مثل داهان، وهناك من تربطه بالمغرب الثروة مثل أسرة أزويلوس. وهناك آخرون يريدون البقاء على أرض أجدادهم "، يقول طوليدانو.
والواقع أن هذه الأمثلة من المواطنين يؤكدون أنه في أعقاب الهجمات الإرهابية التي وقعت سنة 2003 في الدار البيضاء ، والتي استهدف اثنين منها الطائفة اليهودية، اجتمعوا في كنيس الرباط بهدف تأكيد تمسكهم المشترك ببلدهم المغرب في مواجهة هذه الظاهرة التي لا يوجد أي بلد في مأمن منها.
واستنادا إلى المواطنين والقادة اليهود المغاربة، فلم يتم تسجيل أي حالة هجرة بسبب هذه الهجمات الإرهابية.
"إذا كانت لدينا النية في ترك المغرب فقد كان علينا أن نفعل ذلك في اللحظات الحرجة الصعبة التي مرت بها البلاد" تؤكد السيدة ازويلوس.
ووفقا لبردوغو، فإن حوالي 3000 يهودي يعيشون حاليا في الدار البيضاء ، أكبر المدن الصناعية في المغرب. إنهم مواطنون محترمون ويتمتعون بجميع حقوقهم. في هذا الصدد يقول ليفي : "لدينا معابد وجمعيات ونوادي، ودور مسنين وثانوياتنا الخاصة، ولدينا أيضا محاكمنا الخاصة مع قضاة يهود وقانون يهودي".
حرية عبادة فريدة
وفي الواقع ، يفخر المغاربة بحرية العبادة التي تسود في بلادهم. إنهم فخورون لكونهم العرب الوحيدون الذين يعيشون بسلام مع اليهود، لاعترافهم بأنهم من أهل الكتاب، وبأن الأمر يتعلق بدين وليس بعرق معين.
"إنني فخور بكوني يهودي مغربي. المغرب حالة فريدة لأنه عرف كيف يصون التعايش الهادئ والمحترم بين المواطنين اليهود والمسلمين، رغم تقلبات الأوضاع الاقتصادية"، يؤكد من جانبه اندريه أزولاي، مستشار الملك محمد السادس.
هذا المصرفي السابق يضيف أنه في كل مرة يقوم فيها يهودي مغربي بمغادرة المغرب "فإننا نفقد مواطنا ونربح سفيرا في الخارج". ويذكر طوليدانو بالسلام الذي عاش في ظله اليهود لألفيتين في أرض المغرب والحماية التي منحت لهم من قبل أمير المؤمنين ، السلطان محمد الخامس ، جد العاهل المغربي محمد السادس.
" ليست انعدام الأمن ولا التمييز ضدنا هي الأسباب التي دفعت العديد منا لمغادرة بلادهم" يقول كوهين ، مدير ثانوية اليهودي مايمونيد اليهودية في الدار البيضاء بنبرة صارمة.
بنظرته الثاقبة وهيبته وقبعة "الكيبا" على رأسه ، يضيف كوهين: "إذا أراد يهودي مغربي في أي بلد من بلدان العالم العودة إلى بلده ، فيكفي أن يذهب إلى السفارة المغربية. لكن، هل يستطيع يهودي مصري أو سوري أو العراقي فعل الشيء نفسه؟ ".
إذا كان الحلم بحياة أفضل يمكن أن يدفع البعض للاغتراب، فإن الشعور بالخوف وانعدام الأمن يظل أحد الأسباب الرئيسية للهجرة. "أنا عربي مغربي قبل أن أكون يهوديا، والمغرب هو بلدي الذي أحبه كثيرا، ولكن إذا شعرت أن سلامتي في خطر فإنني لن أبقى هنا " يقول ميكائيل، 15 سنة، تلميذ بثانوية مايمونيد، وهو يجلس في فناء الثانوية وقبعة "الكيبا" على رأسه رفقة ثلاثة من أصدقائه المسلمين.
شتائم عنصرية
محمد بن علوي، تاجر في حي الملاح بالرباط، يعتبر أن الخلط بين اليهودية والصهيونية يسبب الشعور بعدم الأمان ويشجع الميل إلى الهجرة.
لطيفة بوشوا ، عضو اللجنة الإدارية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان (amdh) تؤكد أن الديانة اليهودية مصنفة كثاني ديانة في المغرب، ولكن هذا لا يمنع أن أقلية منهم يعلنون صراحة أنهم ضحايا التمييز في الشعارات المعادية لليهود التي ترفعها مظاهرات التأييد للفلسطينيين مثل شتيمة "اليهودي القذر"، وتضيف: "بالنسبة لجمعيتنا، فأي شتيمة ذات طابع ديني فهي تمييز".
يفسر طوليدانو أن الانخفاض التدريجي الذي عرفته الطائفة اليهودية، أدى إلى أن اليهود أصبحوا أقل وضوحا في الشارع المغربي، كما أن اليهودية أصبحت مجهولة. و بالموازاة مع ذلك، فإن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والصحافة المكتوبة، بدورها، أصبح لديها نوع من الخلط بين ما هو يهودي وما هو صهيوني. هذه الأحكام المسبقة مدسوسة "ولكنها لم تتحول إلى عنصرية".
أما بردوغو ، فيرى أن العنصرية موجودة في كل مكان في العالم حتى داخل إسرائيل، الذي كان الغرض من خلقها في البداية هو جمع وحماية اليهود.
السلام
اليهود المغاربة يؤكدون أن سياسة الدولة العبرية تؤثر على حياتهم، ومقتنعون بأن سلامتهم تعتمد على عملية السلام الإسرائيلية - العربية. ويرى داهان أن مخاوفهم تزداد عندما لا تحظى الهجمات ضد اليهود بالتغطية الإعلامية الكافية بالمقارنة مع تلك التي ترتكب ضد الفلسطينيين."عندها تصبح نظرات المسلمين المغاربة مخيفة"، يعترف الحاخام.
"هناك مغاربة لديهم ثقافة محافظة جدا، ومن الصعب عليهم التمييز. ليس هناك سوى النخب، والأشخاص الأكثر انفتاحا هم الذين يفرقون بين الصهيونية وإسرائيل واليهودية " يقول مدير المعهد المغربي للعلاقات الدولية، جواد كردودي.
يرى السيد أزولاي أنه في اليوم الذي يحل فيه السلام في الشرق الأوسط ، ستميل إسرائيل إلى الإندماج ثقافيا واجتماعيا في العالم العربي. وعندما يأتي ذلك الوقت فإن الإسرائيليين من أصل مغربي سيشكلون الجسر بين يهود الغرب والشرق داخل إسرائيل.
"عندما سنتوقف عن التخلف عن مواعيد السلام وعندما سترى إقامة دولتين إسرائيلية وفلسطينية تعيشان جنبا إلى جنب النور، ستكون الظروف ملائمة لعودة اليهود المغاربة لبلدهم لأنه يبقى من الضروري أن يأتي شخص ما ليضيء شمعة على قبر جدها "، يخلص طوليدانو.
ترجمة: سهام إحولين عن جريدة لوبوتي جورنال الفرنسية

No comments: