Jul 27, 2007


د.عبد الصمد الديالمي: ينبغي أن نقضي على حاجة الشاب المسلم في أن يتحول إلى إسلاموي عنيف
هذا مقطع من حوار أجريته مع عالم الاجتماع المغربي د.عبد الصمد الديالمي نشر في يومية "المساء" المغربية
من خلال تتبع بروفايلات الانتحاريين من 2003 إلى الآن، هل يمكن أن ترسم لنا مواصفات الانتحاري المغربي الافتراضي؟
في اعتقادي، أهم وصف يجسد شخصية الشاب الذي يفجر نفسه ويفجر معه آخرين باسم الإسلام هو الفقر الذي يتكون من أبعاد رئيسية ثلاثة. أول هذه الأبعاد هو الفقر المادي الاقتصادي، فكل الذين فجروا أنفسهم في المغرب ينتمون إلى أوساط اجتماعية فقيرة، هشة ضعيفة، تسكن في أحياء شعبية هامشية، تعاني من الاكتظاظ الذي يسبب في القلق وفي الشعور بالحرمان.
البعد الثاني هو الفقر التعليمي، أي أن المفجرين لأنفسهم لهم مستوى تعليمي ضعيف. هذا المستوى يوهمهم بأنهم يمتلكون حقيقة الإسلام. هذا المستوى التعليمي الضعيف، إن لم نقل الأمية، هو الذي يسمح بتكوينهم الإيديولوجي السريع في بعض المنظمات السرية، وهو الذي يوهم المفجر لذاته أنه على دراية بالإسلام وبأمور الدنيا، وأنه يفهم معنى وهدف وحقيقة الإسلام جيدا. لكن الحقيقة هي أن فهمه مسطح، مقولب ومبسط جدا للإسلام، بل ويفقر الإسلام كثيرا ويبتره من البعد الروحي.
أما البعد الثالث فهو الفقر الروحي بالضبط، بمعنى أن المفجر لنفسه إنسان فقير روحيا. إن الشاب الذي يعاني من الفقر المادي ويشكو من الفقر التعليمي لا يستطيع أن يتسامى وأن ينظر إلى الحياة الدنيا من فوق، بل إنه يصبح حقودا لا يقبل أن يتلاءم مع الواقع الاجتماعي كما هو، ولا يقنع بما قسم الله له. بتعبير آخر، لا وجود لدى هذا الشاب لبعد صوفي يساعده على الترفع عن المتع والملذات المادية. فالمفجر لنفسه يصبو إلى هذه المتع المادية الحسية فهو مقتنع بها ولا يحاول أن يتجاوزها بل يبحث عنها ولا يفكر أبدا في التسامي عنها
.
ما هي أسباب التطرف الديني الذي يوصل إلى الانتحار؟
هنا ينبغي أن نميز في الحركة الإسلاموية المغربية بين توجهات ثلاث. التوجه الأول توجه مندمج، قبل اللعبة السياسية وقبل الانخراط فيها رغم شكليتها وكل نقائصها. هذا التوجه تبنى الاختيارات الأساسية للدولة المغربية واعترف بالملك كرئيس دولة وكأمير المؤمنين، كما اعترف بإسلامية المجتمع المغربي رغم ما يعرفه هذا المجتمع من انحراف في نظره.
التوجه الثاني هو توجه نصف مندمج، في منزلة بين منزلتين، فلا هو داخل اللعبة السياسية ولا هو خارجها. هذا الوصف ينطبق على جماعة العدل والإحسان لكونها غير معترف بها قانونيا، لكنها نشيطة داخل المجتمع والكل يعرفها ويعرف وزنها. تعترف هذه الجماعة بالملك كرئيس دولة لكنها لا تعترف به كأمير للمؤمنين. خلافا للإسلاموية المعتدلة المندمجة التي تقول فقط بالانحراف، يوظف هذا الاتجاه مفهوم الفتنة بصدد المجتمع المغربي، ويطالب بإقامة الخلافة الإسلامية القادرة لوحدها على جعل السياسة امتدادا آليا للدين وتطبيقا حرفيا لتعاليمه.
التوجه الثالث، والذي يمكن أن نسميه إسلاموية جذرية متطرفة، يعتقد أن الانخراط في اللعبة السياسية كما هي قائمة الآن شيء غير مجد. في نظر هذا التوجه، المجتمع المغربي مجتمع مرتد وكافر، يسوسه جهاز دولتي جاهلي، وبالتالي لا يمكن تطبيق الإسلام في مجتمع جاهلي ومن طرف دولة جاهلية، بل ينبغي أن تقلب هذه الدولة كلية لكونها دولة كافرة يجب الجهاد ضدها باستخدام عنف شرعي. هذا التوجه يرفض المشاركة السياسية ليس لأنها مغشوشة فقط، بل لأنه يرفض الديمقراطية ككل، يرفضها باعتبارها تجعل من الشعب المصدر الأوحد للقانون وفاعلا سيدا لا يعلوه عليه أحد... أما هو، فيرى أن الشرع من عند الله وأنه فوق كل اعتبار تاريخي وفوق كل شعب، وبالتالي فلا يمكن قبول الديمقراطية نظرا لعلمانية وزمنية قوانينها.
إذن، التطرف الإسلاموي قناعة إيديولوجية تنطلق من أن الدولة القائمة دولة جاهلية غير شرعية، وبالتالي لا يعقل أن نطلب من هذه الدولة أن تطبق الإسلام بل يجب الجهاد ضدها وإحلال حكم الله محلها.
كيف يمكن تفكيك إيديولوجية الانتحار والعنف؟
أول شيء يجب القيام به، في اعتقادي الشخصي المتواضع، هو تحقيق عدالة على المستوى الدولي. هذه العدالة الدولية تتمثل في القضاء على الفوارق الاقتصادية بين الشمال والجنوب، وفي حل كل المشكلات المتعلقة بالدول العربية والإسلامية بشكل عادل وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ثم العراقية، ثم الأفغانية... فالمسلم الفقير يرى في كل هذه الحروب حروبا استعمارية جديدة وتعنيفا مقصودا ضد الإسلام وضد المسلمين، فقراءته السطحية للأحداث تجره إلى الاقتناع بهذا الأمر، بالإضافة إلى كون بوش من جهته بدأ يسدل على حروبه طابعا دينيا، وهو ما يعزز الشعور لدى المسلم الفقير بأن الصراع بين النحن والآخر صراع ديني بالأساس.
إن تحقيق العدالة الدولية، اقتصاديا وسياسيا، سيمكن المسلم من تقبل المعنى الحقيقي للعلمانية. وأقصد بالعلمانية أساسا حرية التدين. فحينما أتدين، أتدين بشكل فردي واختياري وأجعل من علاقتي بالله علاقة روحية شخصية لا أسعى من خلالها بلوغ سلطة سياسية. هذا شيء أساسي ينبغي أن يقتنع به كل مسلم. لا يجب أن أجعل من الدين وسيلة للوصول إلى السلطة السياسة، لهذا فالعلاقة بين السياسي والديني يجب أن تكون علاقة حياد، بل تنافر.
في اعتقادي، العلمانية هي الحل، لأن الوظيفة الأساسية للدين وظيفة روحية، فمهمة الدين الرئيسية هي مساعدة الإنسان على أن يصبح كريما، نبيلا، متساميا، متقبلا للآخر، هي تجنيبه الحسد والانتقام والقتل... هذا البعد الروحي في الدين لا يمكن أن يصله الإنسان والوضع الدولي غير عادل من جهة والوضع الاقتصادي غير مريح من جهة ثانية. صحيح أن أقلية من المسلمين تبلغ ذلك المقام النبيل بفضل التصوف، لكن الأمر يتعلق بأقلية، ومن جهة أخرى، يمكن اتهام التصوف في الظروف الراهنة بالقيام بدور يحافظ على الفوضى الدولية، الاقتصادية والسياسية. حاليا، التصوف هو أفيون المسلمين.

No comments: